قالوا: “الهجوم خير وسيلة للدفاع” حكمة قديمة ولكنها ثمينة، فالتسلح وانتظار العدو المرتقب أمر خاطئ قد يكلف الأرواح والأفضل الاستعداد للهجوم ما دامت المواجهة مرجحة! والنتيجة ستكون مبهرة. هذا ما حدث عندما تقرر الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة !

الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة | السرطان  Cancer

هل تساءلت يومًا عن سبب تسمية المرض بهذا الاسم؟ فهو لا يدل على أي شيء يخص المرض، السرطان فقط، هي كلمة كافية لتسكت بعدها الكلمات. فلا تجد كلمة واصفة مثل: التهاب أو تجلط أو تصلب!

فلماذا “السرطان” تحديدًا؟!

هذا المرض قديم جدًا وكانت الأمراض تسمى بوصف الشكل لأنهم كانوا يجهلون الكيفية فقط يشرحون الموتى ويدونون الملاحظات بدقة ولتسهيل الأمر كانوا يطلقون وصفًا قريبًا مما رأوه فيما نسميه نحن اليوم Gross pathology.

 الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة | من أول من أطلق الاسم؟

أول من اكتشف المرض واستطاع وصفه هو أبقراط “أبو الطب” فهو من أطلق عليه ذلك لأنه استنادًا على الكلمة اللاتينية: Karkinos ويعني Crab وهو حيوان السرطان أو السلطعون “حيوان بحري”؛ لأنه وجده كتلة يخرج منها تشعبات كالأصابع في كل جهة تشبه أقدام السلطعون.

سرطان الثدي Breast cancer

إن أورام الثدي موضوع كبير تتسع له الكتب وهو أنواع وكل نوع ينقسم إلى أشكال أخرى ومنه الحميد Benign والخبيث Malignant “السرطان”، وحديثنا عن النوع الخبيث.

يعرف سرطان الثدي بأنه خروج نمو بعض خلايا الثدي عن السيطرة فتزداد في العدد بسرعة غير معهودة ويحدث انعدام في ترتيب الخلايا وتغيير في تمايزها وشكلها وهيئتها صانعة لها أوعية دموية تخصها لتغذيها باستمرار، ولا تقف عند هذا الحد بل تنتقل الخلايا التي أصابها الخلل في مجرى الدم أو الليمف أو إلى الثدي الآخر.

عوامل الخطورة

لا نعلم حتى الآن سببًا محددًا للسرطان وجُل ما توصل إليه العلماء حصر بعض الظروف التي وجد المرض مصاحبًا لها، منها:

• الحيض المبكر early menarche قبل 12 عامًا
• انقطاع الطمث المتأخر late natural menopause بعد 55 عامًا
• أول حمل بعد عمر 30 عامًا
• التعرض للإشعاع بسبب أغراض طبية مثلًا
• العلاج الهرموني مثل موانع الحمل الهرمونية

كلها عوامل تدور حول التعرض للهرمونات الأنثوية (الإستروجين) لفترة طويلة أو بنسبة كبيرة.

أعراض سرطان الثدي

• لا أعراض وهي مرحلة لا تشعر المرأة بأي تغير أو آلام بالثدي
• ظهور كتلة في الثدي أو تحت الإبط ( تورم الغدد الليمفاوية)
• تهيج بجلد الثدي أو ملاحظة حدوث نقرة في الجلد dimpling
• احمرار في منطقة الحلمة 
• حدوث شد للحلمة في اتجاه الورم (علامة متأخرة)
• تغير في شكل الثدي
• آلام وخروج إفرازات قد تكون مدممة من الحلمة

هل يمثل سرطان الثدي مشكلة عالمية؟

حسب الوكالة الدولية لبحوث السرطان the International Agency for Research on Cancer (IARC) وهي جزء من منظمة الصحة العالمية:

إنه الورم السرطاني الأكثر شيوعًا في العالم –الأول من ثمانية أورام سرطانية شائعة حول العالم. بلغ عدد السيدات المصابة في عام  2020 إلى 2.3 مليون حالة جديدة. 

بلغ عدد الوفيات نحو 685000 ألف حالة وفاة، وذلك عبر مساحة جغرافية واسعة. لوحظ تزايد الحالات في الدول التي حدث لها تحول اقتصادي.

الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة

الفحص المبكر screening tests

إخضاع بعض الأشخاص –لا يعانون من أي شكوى مرضية-  لبعض الفحوصات لاكتشاف مرض معين دون ظهور أي أعراض عليهم.

الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة 

فحص الثدي للتأكد من خلوه من السرطان وذلك للكشف عنه في مرحلة قبل ظهور الأعراض.

يجب على كل طبيب توعية كل امرأة لهذا الأمر وتقديم المعلومات الكافية وخطورة الأمر إذا ما تم اكتشافه متأخرًا وأنه يمكن السيطرة عليه في مراحله الأولى.

كما يجب التأكيد على أن الكشف المبكر لا يعني أبدًا منع الإصابة بسرطان الثدي!

تعليمات الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة

حسب جمعية السرطان الأمريكية American Cancer Society  يجب الآتي:

السيدات المعرضة لخطورة متوسطة 

• السيدات من عمر 40-44 عامًا:

لهن الإختيار بالاخضاع لفحص الماموجرام كل عام

• السيدات من عمر 45-54 عامًا:

لابد أن يخضعن لفحص الماموجرام كل عام

• السيدات من عمر 55 عامًا:

يمكن أن يخضعن لفحص الماموجرام سنويًا أو كل عامين.

الفحوصات المطلوبة

لن تجد الفحص السريري للثدي Clinical examination ضمن الفحوصات المطلوبة للكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة، فيما يلي الفحوصات المطلوبة:

• الماموجرام Mammogram

وهو الأشهر والأول في الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة وهو عبارة عن تصوير بالأشعة السينية X-ray؛ إجراء فحص الماموجرام بانتظام يمكنه الكشف عن المراحل الأولى للمرض والتي تستجيب بشكل مثالي للعلاج. 

لابد أن يقترن الماموجرام بتصوير آخر في حالات الخطورة العالية 

أما في حالات الخطورة المتوسطة يمكن الاعتماد على الماموجرام فقط للتأكد من سلامة الثدي.

عيوب الماموجرام

• قد يفوت الماموجرام اكتشاف بعض الأنواع السرطانية
• لا يعتمد عليه كأداة تشخيصية.
• يمكن أن يحدث ما يسمى التشخيص المفرط overdiagnosis وهو أن تخبرنا نتائج الفحص بوجود اشتباه إصابة بالسرطان وهو ما ينافي الواقع
• كما يقتصر على السيدات اللائي يقعن في المنطقة العمرية المحددة للكشف المبكر. 
• يتعذر تصوير الماموجرام للسيدات ذوات الأثداء الكثيفة Dense Breasts ويكثر ذلك في السيدات الشابة ولذلك يجب إخضاعهن لفحص آخر.

وعلى ذلك يجب أن تطلع السيدة قبل الفحص على كل ما سبق

الماموجرام ثلاثي الأبعاد

تقنية جديدة للماموجرام أكثر دقة في الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة وتظهر نتائج أكثر موثوقية من الماموجرام ثنائي الأبعاد كما أنه يمكنه فحص الأثداء الكثيفة، ولكنه باهظ الثمن علاوة على أنه غير متوفر في بعض المراكز. 

لذلك لا زال الماموجرام ثنائي الأبعاد –الذي سبق ذكره- الأكثر استخدامًا حتى الآن.

• الفحص الذاتي – الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة

لا يشمل الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة -الفحص الذاتي للثدي؛ فظهور التغيرات بالثدي تعني أن المرض قد تطور أصلًا وأن الماموجرام يمكنه اكتشاف المرض قبل ذلك بكثير.

لكن يجب توعية كل امرأة بالتعرف على الشكل الطبيعي للثدي وأنها إذا طرأ عليه أي شيء غريب يجب أن تتجه لأقرب طبيب.

السيدات المعرضة لخطورة عالية:

يتم تحديد السيدة المعرضة لخطورة عالية حسب معايير محددة وعليه فإنه يجب على كل سيدة معرضة بشدة للإصابة بالمرض أن تخضع لفحص سنوي بالماموجرام وتصوير الرنين المغناطيسي بداية من عمر 30 عامًا، وتشمل:

• التاريخ العائلي للمرض قد يرفع نسبة التعرض للإصابة من 20% -25% أو أكثر.
• إذا اكتشفت طفرات الجينات (BRCA1  أو  BRCA2) 
• إذا كان أحد أقارب السيدة تحمل أي من الجينات (BRCA1  أو  BRCA2) مثل: أحد الوالدين أو الأخ أو الأخت أو طفل.
• خضعت السيدة للعلاج الإشعاعي في الفترة العمرية من 10-30 عامًا.
• أن تكون السيدة مصابة بمتلازمة معينة مثل متلازمة لي فراوميني أو متلازمة كودن أو متلازمة بانايان رايلي روفالكابا

توصي جمعية السرطان الأمريكية بعدم إجراء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي للنساء اللائي يقل خطر إصابتهن بسرطان الثدي عن 15٪.

• تصوير الرنين المغناطيسي MRI

وهو الفحص الذي يقترن بالماموجرام في الحالات المعرضة بشدة للإصابة، بينما لا يمكن استبداله بالماموجرام؛ فالماموجرام يظل الفحص الأساس في الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة. يعد MRI السبيل الوحيد لفحص السيدات العشرينية. ويمكن الاعتماد عليه في تشخيص المرض.

استخدامات MRI – الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة

• يمكن إجراؤه سنويًا في حال تعرض السيدة لإحدى الحالات المرضية الآتية:

1. مرض سرطان الثدي القنوي الموضعي ductal carcinoma in situ
2. تضخم الأقنية اللانمطي atypical ductal hyperplasia
3. تضخم الفصيص اللانمطي atypical lobular hyperplasia

• ظهور الثدي كثيفًا بشكل مبالغ فيه أو بشكل غير متجانس
• يستخدم مقترنًا بالماموجرام في حالات السيدات المعرضة للإصابة بشدة، ويفضل ذلك سنويًا بعد بلوغ السيدة سن الثلاثين. ولكن القرار متروك للسيدة ويجب مشاركة الأمر مع الطبيب المعالج.

هل يمثل الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة فارقًا ملحوظًا؟

بالطبع كان له عظيم الأثر على مرض سرطان الثدي وتسبب في تغير خطط العلاج:

1. يحدث تحديثات متتالية لخطط علاج سرطان الثدي لتصير أكثر دقة وتخصصية وأقل عدوانية وتوغلًا، وخاصة أن هناك ألمًا نفسيًا يلحق بالمريضة التي تخضع لاستئصال الثدي كاملًا.
2. بفضل الكشف المبكر تحولت جراحات استئصال الثدي الجذرية radical mastectomy إلى جراحة الحفاظ على الثدي breast conserving surgery؛ فضلًا عن تطور العلاج غير الجراحي مثل العلاج الهرموني.
3. استطاع الأطباء والباحثون التعرف على أشكال الورم المتنوعة وتوقع الأحداث القادمة ووضع جدول زمني دقيق لها
4. تغيرت بعض المفاهيم إثر دراسة الورم عمليًا وتسجيل الحالات بشكل منتظم وعمل قاعدة بيانات ضخمة خاصة بسرطان الثدي
5. تقليل حالات الوفاة بسب سرطان الثدي
6. يمكن لفحص الماموجرام رصد أورام في حجم حبة الأرز!
7. يجعل العلاج أكثر فعالية عند اكتشاف المرض في بدايته.
8. قلل احتمالية تعرض السيدة لجراحة استئصال الثدي إلى النصف!
9. الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة مجاني لذا تقبل السيدات على إجرائه كما أن مدة إجراء الفحص لا تتعدى 20 دقيقة.

حملات الشريط الوردي في مصر!

تتنوع المقالات والتقارير حول موقف مصر من سرطان الثدي فهو الورم السرطاني الأكثر شيوعًا بين نساء مصر ويحصد الكثير من الأرواح سنويًا.

لا يخفى علينا هذا الشعار اللطيف ونراه كثيرًا في مبادرات توعوية والحملات التي تقدمها المؤسسات الخاصة.

ماذا أسفرت حملات الشريط الوردي في مصر؟

رغم مساعي وزارة الصحة في مصر لإتاحة الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة المتمثل في الماموجرام بالمجان، إلا أنه لا زال إقبال السيدات عليه ضعيف للغاية.

أسباب الإقبال الضعيف:

• السبب الأكثر أهمية هو ضعف الترويج عن الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة ، فقد نجحت حملات تنظيم الأسرة سابقًا والتي اجتاحت القرى والنجوع وجعلت السيدات يبادرن بالحصول على وسيلة مناسبة لتنظيم الأسرة، حيث اكتظت الميادين بالإعلانات وكذلك الإعلانات المتلفزة.
• السبب الآخر هو بعد توافر الترويج، تفتقر مصر إلى خطة حقيقية بمعنى أنه لا يوجد تسلسل واضح للتصعيد، ولذا يجب:

1. توافر مراكز متخصصة في كل أنحاء البلاد
2. الزام الوحدات الصحية ومراكز الرعاية التابعة للطب الوقائي بتوعية المترددات عليها بخطورة الأمر ولاسيما توفر الماموجرام ببعض من هذه الأماكن.
3. توافر نموذج إحالة خاص بسرطان الثدي فور اكتشاف المرض حيث أثبتت بعض الدراسات أن هناك انقطاع يدوم طويلًا بين اكتشاف المرض أو الاشتباه فيه، وتلقي العلاج المناسب مما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا فتصل المريضة للجراح بعد حدوث تفاقم واضح للحالة
4. يجب تحديد دور كل من تخصص جراحة الأورام وتخصص النساء والتوليد في مجابهة سرطان الثدي، فهل يستويان؟ أم أنهما يختلفان في دور كل منها؟! ذاك يجب تحديده سريعًا

ختامًا

إن سرطان الثدي خطر داهم يجب التصدي له بكل حزم وقوة، الأهم من توافر العلاج هو منهجية العلاج نفسها وتتمثل في الكشف المبكر عن سرطانات الثدي الخبيثة تعقبها سلسلة من الخطوات الواجب اتخاذها سريعًا لتلقي العلاج الأمثل.

المعلومات الواردة في هذا المقال ليس الغرض منها ان تكون بديل عن العلاج الطبي من قبل الطبيب المختص. بسبب اختلاف الاحتياجات الفردية لكل شخص يجب على القارئ استشارة طبيبه لتحديد مدى ملائمة المعلومات لكل قارئ

كتبته: د أميرة سامي أبوالوفا

المصادر

https://www.cancer.org/cancer/types/breast-cancer/screening-tests-and-early-detection/american-cancer-society-recommendations-for-the-early-detection-of-breast-cancer.html

https://www.news-medical.net/health/Cancer-History.aspx#:~:text=Origin%20of%20the%20word%20cancer&text=The%20description%20was%20names%20after,the%20Latin%20word%20for%20crab.

https://www.cdc.gov/cancer/breast/basic_info/screening.htm

https://www.iarc.who.int/news-events/current-and-future-bu

Breast cancer statistics

https://www.emro.who.int/in-press/research/presentation-and-management-of-female-breast-cancer-in-egypt-an-implementation-study.html