هناك ما يقارب المائة نوع من أمراض المناعة الذاتية المعروفة حتى يومنا هذا، ويصل عدد المصابين بها إلى حوالي 4% من إجمالي سكان العالم، وعند إصابة أي إنسان بأحدها فإن أول سؤال يتبادر إلى ذهنه هو هل يمكن الشفاء من أمراض المناعة الذاتية ؟
فبعد عقود من الإحباط والتجارب الفاشلة، قد يكون العلماء أخيرا على أعتاب تطوير علاجات يمكنها أن تساعد في علاج أمراض المناعة الذاتية مثل مرض السكري، والذئبة الحمراء، والتصلب المتعدد.
في مقالنا هذا نتناول أمراض المناعة الذاتية من عدة جوانب ونجيب على السؤال بالتفصيل.
خلق الله جهاز المناعة في أجسامنا، وجعل وظيفته الأساسية الدفاع عنها ضد العدوى والأمراض، فعند تعرض الجسم للأجسام الغريبة يبدأ جهاز المناعة بالتعرف عليها وتمييزها عن خلايا الجسم المألوفة بالنسبة له، ومن ثم يبدأ بإطلاق خلايا معينة لاستهداف هذه الأجسام الغريبة.
في حالة أمراض المناعة الذاتية يصبح الجهاز المناعي مفرط النشاط، ولا يستطيع التمييز بين خلايا الجسم وغيرها من الخلايا الضارة الأخرى، مما يدفعه لمهاجمة أعضاء الجسم وأنسجته واتلافها بدلاً من حمايتها والدفاع عنها فمثلا تراه يهاجم الجلد والمفاصل وغيرهما ، وذلك عن طريق إطلاق ما يعرف بالأجسام المضادة.
كما ذكرنا من قبل هناك أكثر من مائة نوع من أمراض المناعة الذاتية، منها ما تهاجم فيه المناعة عضو واحد فقط من أعضاء الجسم كما في حالة مرض السكري من النوع الأول و مرض هاشيموتو، ومنها ما يؤثر في عدة أعضاء مثل مرض الذئبة الحمراء.
لم يصل العلماء حتى الآن للأسباب المؤدية لهذا الخلل في الجهاز المناعي، ولكنهم وجدوا أن هناك أشخاص أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية أكثر من غيرهم، وأن هناك بعض العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالمرض منها:
الجنس
حيث وجد أن الإناث أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية أكثر من الذكور بنسبة تصل إلى 78% من إجمالي عدد المرضى، وقد أرجعت بعض الأبحاث هذا الأمر لوجود الكروموسوم الإضافي X عند المرأة، وقد يكون لأسباب هرمونية أيضاً.
التاريخ العائلي
يصبح الإنسان أكثر قابلية لاكتساب مرض من أمراض المناعة الذاتية إذا كان هناك شخص مصاب في عائلته، وذلك نتيجة لعوامل وراثية وجينية.
العوامل البيئية
هناك عدة عوامل إذا تعرض لها الإنسان تجعله أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية منها:
-التدخين.
-بعض أنواع العدوى مثل الإصابة بفيروس كورونا.
-التعرض لبعض أنواع المواد الكيميائية مثل الزئبق.
العرق
بعض أمراض المناعة الذاتية أكثر شيوعًا لدى الأشخاص في مجموعات عرقية معينة، فعلى سبيل المثال، نجد أن الأشخاص البيض من أوروبا والولايات المتحدة أكثر عرضة للإصابة بأمراض المناعة الذاتية التي تصيب العضلات، في حين أن مرض مثل الذئبة الحمراء غالبا ما يصيب الأشخاص الأمريكيين من أصل أفريقي، أو من أصل اسباني، أو لاتيني.
تشترك اغلب امراض المناعة الذاتية في نفس الاعراض تقريبا فيشعر المريض عادة ب :
١- التعب.
٢- الإرهاق.
٣-الدوار.
٤- الحمى الخفيفة.
٥- ألم العضلات.
٦- الحكة.
٧- تساقط الشعر.
هذا بخلاف أعراض أخرى تختلف بحسب العضو المصاب.
في بعض أنواع المرض مثل الذئبة الحمراء والروماتويد تحدث الأعراض على شكل هجمات تزداد فيها حدة الأعراض، ثم تقل مرة أخرى وهكذا.
هناك 14 نوع من الأمراض المناعية تعد هي الأشهر والأكثر انتشارا وهي :
١- مرض السكري من النوع الأول.
٣-الصدفية.
٥-الذئبة الحمراء.
٧-مرض اديسون.
٨-داء غريفز.
٩- مرض سجوجرن.
١٠- مرض هاشيموتو.
١١-الوهن العضلي.
١٢-مرض السيلياك.
١٣-التهاب الأوعية الدموية المناعي الذاتي
١٤-فقر الدم الخبيث.
تعد أمراض الصدفية، و الروماتويد، وأمراض الغدة الدرقية المناعية هم الأكثر شيوعا من بين الأمراض المناعية المختلفة.
يعتبر مرض التهاب عضلة القلب المناعي من أخطر أمراض المناعة الذاتية ، وذلك لأنه يهدد حياة المريض تهديدا مباشرا، وتصل نسبة وفيات المصابين به إلى حوالي 70% .
في السابق كانت الإجابة القاطعة تأتي بكلمة (لا)، وكان الاعتماد دائما على علاج الأعراض الناتجة عن الإصابة بالمرض أو استخدام علاجات مثبطة للمناعة مما يعرض المريض لخطر الإصابة بالعدوى والأمراض الأخرى، ولكن دائما ما يكون للعلم رأي آخر.
هذا ما يحاول العلماء في مراكز الأبحاث الوصول إليه، وان نجحوا في ذلك سيعد هذا طفرة في عالم علاج أمراض المناعة الذاتية
يسعى العلماء إلى تطوير نوع جديد من العلاج يعتمد على ما يعرف بالخلايا التائية أو T cells وهو نوع من خلايا الدم البيضاء في الجهاز المناعي، وهناك ما يعرف أيضا باسم الخلايا التائية التنظيمية CD8T والتي تلعب دورا مهما في تثبيط الاستجابة المناعية، لذلك يركز الباحثون على اكتشاف طريقة يوجهون بها تلك الخلايا لاستهداف الخلايا المريضة بشكل مباشر، وتظهر الأبحاث أن هذه الخلايا قد تكون فعالة في علاج أمراض مثل التصلب المتعدد ومرض السكري من النوع الأول ومرض التهاب الأمعاء، والذئبة الحمراء.
في دراسة أجريت في ألمانيا ونشرت في مجلة Nature Medicine قام الأطباء باستخلاص الخلايا التائية من مرضى الذئبة الحمراء وقاموا بتعديلها لمهاجمة الخلايا المسؤولة عن إفراز الأجسام المضادة و التي تعرف باسم الخلايا البائية (B cells) ، وبعد التعديل يتم إرجاع الخلايا مرة أخرى إلى جسم المريض، ووفقا للدراسة استطاعت تلك الخلايا المعدلة القضاء على الخلايا البائية الشاذة في أجسام المرضى مما أدى إلى تحسن حالتهم بشكل كبير.
وأظهرت اختبارات الدم التي أجريت للمرضى أن الخلايا البائية لديهم تعافت بعد حوالي أربعة أشهر من العلاج، لكنها لم تعد تنتج أجساما مضادة ضارة بما وصفه الباحثون في المجلة بأنه بمثابة إعادة تشغيل للجهاز المناعي.
يتوقع الباحثون أن تقنية العلاج بالخلايا التائية المعدلة يمكن أن تنجح في علاج العديد من أمراض المناعة الذاتية الأخرى التي تعتمد على الخلايا البائية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، والتصلب المتعدد.
في العام 2001 قام أحد علماء المناعة والذي يدعى بيري سانتاماريا بإجراء تجارب لدراسة مرض السكري من النوع الأول من خلال العمل على فئران التجارب، وقد توصل هو مساعدوه إلى طريقة يستخدم فيها جزيئات أكسيد الحديد النانوية لتتبع الخلايا المناعية المتسببة في هذا المرض، والتي تقوم بمهاجمة خلايا البنكرياس وتعطيله عن إفراز هرمون الأنسولين.
إن الإجابة على السؤال ( هل يمكن الشفاء من أمراض المناعة الذاتية ) لم تعد قطعيا بلا، فبعد نشر عدة دراسات علمية، أصبح وجود علاج لأمراض المناعة الذاتية ليس مستحيلا، ومع التطور العلمي أصبح الأمر مسألة وقت.
المعلومات الواردة في هذا المقال ليس الغرض منها أن تكون بديل عن العلاج الطبي من قبل الطبيب المعالج، ذلك بسبب اختلاف الاحتياجات الفردية لكل شخص.
يجب على القارئ استشارة طبيبه، لتحديد مدى ملائمة المعلومات لكل قارئ
كتبته
د. شيماء مكي
https://med.stanford.edu/news/all-news/2024/02/women-autoimmune.html
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3328995/
https://www.healthline.com/health/autoimmune-disorders#fa-qs