الأمراض الجينية هي لغز كبير يُحير الأطباء والعلماء ويستغرق وقتاً طويلاً لفهم أسباب حدوثها وكيفية علاجها، في هذا المقال سوف نتعمق في رحلة إلى عالم مختلف حيث نتعرف على واحد من الأمراض الجينية وهي متلازمة الريت ونتعرف على علاجها الجديد.
هي خلل جيني نادر يؤثر على التطور الطبيعي للمخ مما ينتج عنه اضطراب عصبي ونمائي وأيضاً فقدان للمهارات الحركية واللغوية واضطرابات صحية أخرى منها مشاكل في الأمعاء والتنفس ومشاكل القلب.
سميت المتلازمة بهذا الاسم نسبة للطبيب اندرياس ريت الذي اكتشف المرض في عام ١٩٦٦م.
يظهر المرض في مرحلة الطفولة، يشهد الأطفال المصابون بالمرض تطوراً طبيعياً في الستة أشهر الأولى من حياتهم ويمكن أن تصل لثمانية عشرة شهراً ثم تبدأ بعد ذلك الأعراض في الظهور وفقد المهارات المكتسبة في تلك الفترة تدريجياً.
لا تقتصر الإصابة به على شعب أو عرق بعينه إذ أن جميع الأعراق مُعرضة لهذا الخلل الجيني المؤدي لظهور المتلازمة ولكنه يُصيب عادةً الفتيات منهن بنسبة ١ لكل ١٠,٠٠٠ طفلة كل عام ونادرا ما يتم تشخيصه في الذكور.
يحدث هذا التغير الجيني عادةً بشكل عشوائي ويرجع حدوث إصابات قليلة به لأسباب وراثية بنسبة لا تتعدى ١%.
تحدث المتلازمة بسبب تغيرات في الجين MECP2 المتواجد على كروموسوم X، وهو الجين المسؤول عن إنتاج بروتين(Methyl CpG binding Protein 2, MECP2) الذي يلعب دوراً محورياً في تطور المخ وتطور الخلايا العصبية والتواصل بينهم وأيضا له دور تنظيمي لعمل بعض الجينات الأخرى.
تتفاوت حدة الأعراض وتوقيت ظهورها من طفل لأخر وأيضاً ليس من الضروري ظهورها جميعاً كما أنها قد تختلف مع التقدم بالعمر ولكن هناك أعراض عامة للمرض من ضمنها ما يلي:
قسم العلماء المتلازمة إلى نوعان أساسيان وهما:
يختلف النوعان في حدة الأعراض ونوع الطفرة الجينية ومدى تأثيرها على الجين المصاب، ولكن تعتبر المتلازمة الكلاسيكية هي الأكثر شيوعاً وتنقسم إلى أربعة مراحل وهم:
تبدأ هذه المرحلة في سن الستة أشهر ولكن لا يتم ملاحظة أعراض واضحة على الطفل ولكنه قد يتأخر في بعض المهارات المعروفة لهذا السن.
يحدث فيها التدهور السريع لحالة الطفل وفقدان ملحوظ للمهارات التي اكتسبها بالأخص المهارات اللغوية والتآزر الحركي باليد بالإضافة إلى اكتساب حركات اليد النمطية.
تقل سرعة التدهور في هذة المرحلة بل وتتحسن بعض الصفات ولكن يتم ملاحظة أعراض جديدة مثل مشاكل الحركة وحدوث نوبات الصرع.
تشهد هذه المرحلة قلة الكتلة العضلية بشكل كبير وقد يفقد المريض الحركة تماما ويحدث انحناء العمود الفقري الجانبي بينما تكون مشاكل التنفس وحركات اليد النمطية غير ملحوظة في تلك المرحلة.
يعتمد الأطباء في التشخيص على عدة اختبارات جسدية للطفل مع الحصول على معلومات مفصلة دقيقة عن التاريخ المرضي ونمط تطور الطفل.
السمات الرئيسية في التشخيص هي:
قد يتطلب الأمر إجراء اختبار جيني للجين MECP2 للتأكد من حدوث الطفرة المسببة للمرض.
و الجدير بالذكر أنه قد تتشابه بعض الأعراض مع أعراض لأمراض أخرى مثل طيف التوحد كما أنه ليس بالضرورة أن يعني توافر هذه الأعراض تأكيد حدوث المرض.
لهذا السبب فقد قسم الأطباء علامات التشخيص إلى عدة معايير للتوصل للتشخيص المناسب الحصري للمرض وهي:
وهي أعراض يجب تواجدها ليشخص الطفل بالمرض ومنها:
وهي أعراض يمكن أن تكون موجودة في الأطفال المصابين بالمتلازمة ولكن وجودها لا يعني حتمية الإصابة بها إذا لم تتواجد الأعراض الأولية ومنها:
وهي التي يتم بها استبعاد الإصابة بالمرض ومنها:
لذلك يجمع الأطباء بين المعايير الأولية والاختبار الجيني للحصول على التشخيص المؤكد والسليم.
حتى وقت قريب لم يكن لدينا أي علاج معترف به لعلاج المرض، ولكن دائما ما يولد الأمل من رحم المعاناة وما من شدة إلا ويعقبها الفرج، فإنه قد توصل العلماء لاكتشاف علاج جديد يحمل البشرى لمرضى ريت ليذكرنا جميعاً أنه لا يأس مع الحياة.
فقد اعتمدت منظمة الغذاء والدواء FDA علاج Trofinetide باسمه التجاري Daybue في العاشر من مارس ٢٠٢٣ كأول علاج لمتلازمة الريت للبالغين والأطفال فوق عمر العامين.
يؤخذ شراباً عن طريق الفم أو أنبوب المعدة وتحدد الجرعة حسب وزن المريض ويتم تناوله مرتين يومياً صباحاً ومساءً.
يعتبر العقار هو النظير الصناعي للبروتين glypromate وأيضا عامل النمو IGF1.
يتواجد البروتين glypromate GPE طبيعياً في المخ ويعمل على حماية الخلايا العصبية من الإجهاد التأكسدي.
أجريت التجارب المعملية على الفئران المصابة بنقص الجين MECP2 بعد أن تم علاجهم ببروتين GPE، فقد أثبت دوره في التطور الملحوظ في عدة جوانب منها الحركة والتنفس وتحسن صحة القلب وزيادة حجم المخ.
يقوم عقار Daybue بتعويض هذا الدور عند مرضى المتلازمة، ويعمل أيضا على تقليل الالتهاب في المخ وتثبيط عمل بعض الخلايا الضارة وزيادة نسبة بروتين IGF1.
لاحظ الأشخاص المصابون تطوراً كبيراً في مهاراتهم الحركية وقدرتهم على التواصل وتحسن في التنفس بعد تناول Daybue.
مثل أي عقار قد تحدث أحياناً بعض الأعراض الجانبية عند بعض الأشخاص مثل: الصداع، الحمى، الرشح، التهاب الحلق، إسهال، فقدان الشهية والوزن.
عليك بالاتجاه للطبيب المختص حال ظهور أية أعراض جانبية.
التوعية هي الخطوة الأولى في العلاج وحل المشكلات إذ أنها تختصر الطريق وتؤدي إلى تشخيص مبكر وتعامل أفضل مع المريض وفهم احتياجاته وبالتالي زيادة جودة حياته.
كما أن الأعراض قد تتشابه مع عدد من الأمراض الأخرى مثل التوحد والشلل الدماغي وغيرهم وبما أن متلازمة الريت هي مرض نادر لذا تزداد في هذه الحالة أهمية التوعية بالمرض.
يظهر الاهتمام بالتوعية بشكل كبير في أمريكا ودول أوروبا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وإنشاء عيادات متخصصة للتوعية بالمرض وكيفية التعامل معه ووسائل تحسين حالة المريض الصحية وتقديم الدعم النفسي له ولمن حوله.
ومثل كثير من الأمراض التي يدعمها المجتمع بشكل إيجابي من أجل تخفيف حدة المعاناة على المرضى وإيصال شعور الحب المتبادل لهم لتجنب شعورهم بالوحدة والانعزال، فقد تم اختيار شهر أكتوبر بأكمله ليكون شهر متلازمة ريت واللون البنفسجي هو اللون المعبر عن دعم مرضى المتلازمة.
لا نستطيع أن نحيا بدون دعم المجتمع ومن نحب ويزيد الاحتياج للدعم إذا كان الشخص يشهد اختلافا وذلك حتى يشعر بالاندماج في المجتمع بشكل أكبر مما يحفزه لاكتشاف قدراته ومهاراته بشكل صحيح.
بجانب الدعم النفسي، يحتاج مريض متلازمة الريت إلى بعض الممارسات التي تعمل على تحسين حالته وتطور مهاراته وتتضمن العلاج الفيزيائي، العلاج بالممارسة، علاج النطق، التواصل المعزز.
على الرغم من صعوبة المرض على المريض وعلى من حوله، إلا أن مرضى ريت يمتلكون قدرات استثنائية في عدد من المجالات منها الموسيقى والصور المتحركة .
وفي النهاية، يجب علينا تقبل فكرة الاختلاف وندعم جميع فئات المجتمع حتى يتمكن كل فرد من الوصول لأقصى قدراته لنكمل بعضنا بعضاً ونستفيد جميعا من جمال اختلافنا وندرك قيمة الحياة الحقيقية فما الاختلاف إلا تذكير بجمال الحياة ونافذة لرؤيتها بشكلٍ مختلف وأنه ينتج عنه قدرات استثنائية في عالم مختلف تزهر في بيئة داعمة ومتفهمة.
المعلومات الواردة في هذا المقال ليس الغرض منها أن تكون بديل عن العلاج الطبي من قبل الطبيب المعالج، ذلك بسبب اختلاف الاحتياجات الفردية لكل شخص.
يجب على القارئ استشارة طبيبه، لتحديد مدى ملائمة المعلومات لكل قارئ
كتبته / تقى مصطفى يس
National Institute of Neurological Disorders and Stroke, NINDS
Food and Drug Administration, FDA