للنفس البشرية خبايا وأسرار لا تنتهي وتمتلك الصفات الإيجابية والسلبية، ولكن إذا ازدادت الصفات السلبية وصارت غير مرنة وتُعيق الشخص من ممارسة حياته تصبح اضطراباً نفسياً لا يقل خطورة عن الأمراض العضوية لأنه يؤثر على الفرد والمجتمع وسوف نتناول في هذا المقال واحداً من تلك الاضطرابات وهو اضطراب الشخصية الاجتنابية ونتعرف على أعراضه وتشخيصه وطرق التعامل مع اجتنابي الشخصية.
هي أنماط سلوكية شعورية غير متزنة مزمنة أو طويلة الأجل تصيب صحة الحالة العقلية أو النفسية للعديد من الأسباب وتُعيق التصرف في المواقف بشكل طبيعي و التعامل مع الآخرين كما يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الشخص المصاب وعلى من حوله إذا لم يتم التدخل الصحيح من قِبل المتخصصين.
صنف علماء النفس اضطرابات الشخصية إلى ثلاثة أنواع حسب تأثير كل نوع منهم على المريض وهم:
تُدرج جميع الاضطرابات النفسية في دليل عالمي يسمى الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية Diagnostic and statistical manual of mental disorders ويعرف اختصاراً DSM الموضوع من قِبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي APA ويتم تحديثه باستمرار إذ تم تحديثه خمس مرات DSM 5 لإضافة ما تم اكتشافه من اضطرابات.
تم إنشاء أول دليل DSM 1 عام ١٩٥٢ وأُدرج اضطراب الشخصية الاجتنابية في نسخته الثالثة DSM 3 عام ١٩٨٠.
هو اضطراب يؤثر على صحة العقل ويسمى بالانجليزية Avoidant Personality Disorder AVPD، ويطلق على مصابي الاضطراب مصطلح اجتنابي الشخصية.
ينتج عنه شعور مبالغ فيه بعدم الكفاية والحساسية الشديدة تجاه النقد كما يتصف اجتنابي الشخصية بانعدام الثقة بالنفس والشعور بتدني الذات وتجنب التعامل مع الآخرين والتفاعل المجتمعي بسبب الخوف الدائم من الرفض والخجل الشديد بالإضافة إلى الإحساس بالقلق الدائم.
يجد مصابي الاضطراب صعوبة بالغة في تكوين الصداقات والدخول في العلاقات العاطفية والتعامل مع زملاء العمل أو الغرباء بشكلٍ عام.
يصيب الأشخاص في أي عمر بالأخص في نهاية فترة المراهقة وبداية الدخول في مرحلة العشرين من العمر، ولكن هناك بعض الأشخاص الذين هم أكثر عرضة له مثل المصابون باضطراب اكتئابي حاد أو اضطراب الوسواس القهري أو اضطراب الهلع أو اضطرابات الشهية سواء فقدان الشهية العصبي أو الشراهة الزائدة.
بلغت الإصابة به حوالي ١.٥ إلى ٢.٥% من السكان في الولايات المتحدة الأمريكية وتشكل النساء النسبة الأكبر.
على الرغم من ذلك فإنه يتميز صاحب الشخصية الاجتنابية بقدرة على الاستيعاب والعمل الجاد.
وفقا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في نسخته الخامسة DSM 5 ،هناك بعض الأعراض التي يجب تواجد أربعة منهم على الأقل واستبعاد الاضطرابات المشابهة لتأكيد الإصابة باضطراب الشخصية الاجتنابية ومن تلك الأعراض ما يلي:
قد يمتلك شخص صفة من تلك الصفات ولا يعني ذلك أنه مصابا بالاضطراب، خاصة إذا لم يتزايد الأمر وتتطور أعراض الخوف من التعامل مع الآخرين وانعدام الثقة بالنفس.
تتشابه أعراض اضطراب الشخصية الاجتنابية AVPD مع أعراض اضطراب الرهاب الاجتماعي Social Anxiety Disorder SAD وتُعتبرالشخصية الاجتنابية حالة شديدة من اضطراب الرهاب الاجتماعي حيث أثبتت الدراسات أن هناك اعتلال مشترك بينهم بنسبة عالية تصل إلى ٥٠ %.
وُجد أيضاً أن ثلثا مرضى الشخصية الاجتنابية لا تظهر لديهم أعراض الرهاب الاجتماعي وتكون الأعراض أكثر حدة إذا حدث اعتلال مشترك.
يلجأ مرضى الرهاب الاجتماعي لانعزال الناس بسبب التوتر وعدم الرغبة في الظهور أمامهم والخوف من إصدار الأحكام عليهم بينما يكون الأمر متعلقاً بتدني الثقة بالنفس واحتقار الذات وكذلك الخوف من الإحراج في حالة الشخصية الاجتنابية.
والجدير بالذكر أنه يود صاحب الشخصية الاجتنابية تكوين صداقات والتعامل بشكل طبيعي ولكنه يميل للوحدة بسبب الخوف من الرفض والانتقاد والخجل الشديد على عكس اضطراب الرهاب الاجتماعي الذي لا يرغب في التعامل والظهور مع الآخرين.
يُرجع علماء النفس سبب الإصابة بذلك الاضطراب إلى عدة عوامل منها:
حسبما كشفت دراسة أجريت في عام ٢٠١٢على توأم نرويجي أثبتت إمكانية توارث الاضطراب بين أفراد الأسرة ولكنه ليس السبب الأكثر شيوعاً.
يُعتبر أسلوب التربية والتعامل مع الطفل هو السبب الرئيسي لحدوث الاضطراب الذي تظهر أعراضه مؤخراً حيث أكد العلماء أن نمط تعلق الطفل بالوالدين أو الشخص القائم على التربية يلعب دوراً أساسياً في تطور الاضطراب، حيث أن الطفل الذي يحصل على نمط تعلق آمن وأسلوب تعامل رفيق ونشأ في بيئة حليمة متفهمة لاحتياجاته النفسية والجسدية سوف يتطور عنده شعور الثقة بالنفس وعدم الرهبة من التجارب الجديدة والتصالح مع الأخطاء وتعديلها والتعلم منها، بينما إذا وُجد الطفل في بيئة قاسية ناقدة لا تقبل الأخطاء فسوف يفضل الانعزال لتجنب الانتقاد وتتطور عنده أعراض اضطراب الشخصية الاجتنابية وغيره.
التعرض للإساءة من الأهل والتنمر من الزملاء أو الرفض من الآخرين يلعب دورا في تحول الشخص لاجتنابي الشخصية.
عادة يتم تشخيص الاضطرابات النفسية بعد سن الثامنة عشر للتأكد من اكتمال تكوين الشخصية كما يجب أن تكون الصفات السلبية واضحة وغير مرنة ومستمرة لتصنف اضطراباً.
تتمثل صعوبة التشخيص في التشابه مع بعض الاضطرابات الأخرى وعدم اعتراف المصاب بوجود مشكلة لديه ولكن يرحب مرضى اضطراب الشخصية الاجتنابية بأخذ خطوة العلاج لرغبتهم في تكوين صداقات وعلاقات صحية وطبيعية.
يرجع الطبيب النفسي في التشخيص إلى معايير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية DSM 5.
يشخص المرض عن طريق بعض الأسئلة التي يطرحها المعالج النفسي على المصاب وعائلته بأسلوب مريح غير محرج تشمل الحديث عن تجارب حياته في مرحلة الطفولة أو مع زملائه كما يعتمد على بعض الاختبارات النفسية لتأكيد الإصابة بالاضطراب ذلك بالإضافة للتأكد من وجود أربعة على الأقل من الأعراض المذكورة سابقاً بشكل مستمر وغير متغير.
لا توجد العديد من الدراسات حول العلاج المؤكد للاضطراب كما أنه ليس من السهل علاج اضطرابات الشخصية خصوصا التي تنشأ بسبب تجارب الطفولة المؤلمة ولكن بحسب الجمعية الأمريكية للطب النفسي APA فإن العلاج يتمثل فيما يلي:
يكون عن طريق التحدث مع المريض وإلقاء الضوء على أسباب الخوف المقترن بتفكيره وسلوكه، و من ضمن أنواعه:
يركز هذا النوع من العلاج على السبب الجذري للمعاناة الشعورية عن طريق تأمل الذات والتفكير بعمق في حقيقة المواقف وكيفية التعامل معها وذلك حتى يعي المريض حقيقة نفسه وينظر للمواقف بشكل صحيح مما يساعده على التعامل مع من حوله وتجاوز الشعور السيء.
هو نوع منظم من العلاج النفسي ويهدف إلى تغيير نمط التفكير والتمعن في المشاعر ليستطيع المريض فهم كيفية تأثير أفكاره على سلوكه ويشمل أيضاً التدريب على الأفكار والمشاعر الإيجابية.
وذلك لاكتساب الثقة بالنفس والشعور بالإنجاز مع الآخرين.
لا يوجد علاج مخصص لاضطراب الشخصية الاجتنابية حتى الآن ولكن قد يصف الطبيب النفسي علاجاً مضاداً للاكتئاب والتوتر بالتزامن مع العلاج السلوكي لتخفيف حدة الأعراض والحصول على نتيجة أفضل.
الحرص على فهم حقيقة الاضطراب ومراقبة المريض لسلوكه بالإضافة لدعم من حوله وتقديم الحب غير المشروط له بالغ الأثر ي تحسن الحالة وتجاوز الإضطراب بشكلٍ واعٍ.
قد تظهر العديد من المشاكل إذا لم يتلقى المريض العلاج السليم وتجاهل الاضطراب مثل الاكتئاب والإدمان وغيرهم.
تُعتبر الخطوة الأولى لمساعدة أصحاب الاضطراب هي الوعي والتثقيف بحقيقة الاضطراب وأعراضه وأسبابه حتى نتمكن من استيعاب صاحب الاضطراب وتخفيف معاناته ليندمج في المجتمع بشكل أكبر وحتى لا يظل أسيرا خلف قيود الخوف والخجل وإليكم بعض النصائح للتغلب على اضطراب الشخصية الاجتنابية:
من باب الحرص على سلامة الصحة العقلية وإيماناً بضرورة التوعية بالاضطرابات النفسية والسعي لعلاجها فقد تم اختيار العاشر من أكتوبر ليكون يوم الصحة العقلية العالمي لنشر الوعي والثقافة في المجتمع والحد من انتشار الاضطرابات التي تعكر صفو حياة الفرد والمجتمع.
وأخيراً يجب علينا جميعاً الاعتراف بوجود الاضطرابات النفسية تماماً مثل الأمراض العضوية والسرعة وعدم التهاون في علاجها لمنع حدوث مضاعفات كما يتوجب على المنظمات والمؤسسات تنظيم دورات توعية مستمرة منذ الطفولة لزيادة الوعي و يصبح المجتمع أكثر شمولاً ولديه القدرة على استيعاب أصحاب الاضطرابات مثل اضطراب الشخصية الاجتنابية وغيرهم وتقديم الدعم اللازم لهم.
المعلومات الواردة في هذا المقال ليس الغرض منها أن تكون بديل عن العلاج الطبي من قبل الطبيب المعالج، ذلك بسبب اختلاف الاحتياجات الفردية لكل شخص.
يجب على القارئ استشارة طبيبه، لتحديد مدى ملائمة المعلومات لكل قارئ.
اقرأ أيضاً
كتبته: تقى مصطفى يس